Wednesday, July 9, 2014

السيسي - حفتر وما بينهما

تشهد ليبيا منذ مايو، صراعاً عنيفاً، يشبه بطرق عدة الصراع الذي شهدته مصر على مدى العام المنصرم. ومع ذلك، تظل للوضع الليبي خصوصياته التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار إذا ما رغب المرء فهم الوجهة التي قد تسير إليها البلاد. 
والصدامات الليبية هي جزء من «التداعيات الإقليمية» لما حدث في مصر ( تحولات ما بعد انتفاضة يناير ، النظر إلى جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية، الاصطفاف الإقليمي حتى ولو ضد دولة مثل قطر التي تدعم الإخوان، الأنظمة المحافظة التي تدعم المشير عبد الفتاح السيسي كرئيس للبلاد.)

البطل الرئيس لأحداث ليبيا الأخيرة هو أيضاً عضو بارز في مؤسسة الجيش. كان اللواء المتقاعد خليفة حفتر واحداً من أبرز قيادات الجيش الليبي، ثم انشق لينحاز إلى الثوار المناهضين للقذافي في العام 2011. وفي يوم "عيد الحب" هذا العام، نفّذ "انقلاباً" سرعان ما قابله اللاعبون السياسيون في ليبيا بالسخرية. لكنه عاد إلى واجهة المشهد يوم 16 مايو عندما قاد عدة جماعات من داخل الجيش الرسمي الليبي في هجوم عنيف ضد الجماعات الإسلامية والمتطرفة في مدينة بنغازي، والذي خلف العشرات من القتلى. 
وبعد يومين من ذلك، قامت ميليشيا زعمت أنها تعمل كجزء من «عملية الكرامة» التي يقودها حفتر، بمهاجمة البرلمان الليبي تمامًا عندما كان من المقرر أن يصوت لانتخاب رئيس وزراء جديد. ومنذئذ، أصبح هناك تحالفان مسلحان في حالة مواجهة في ليبيا: على أحد الجوانب، هناك تحالف يتكون من ضباط جيش القذافي الذين انشقوا وانضموا إلى الثورة قبل ثلاث سنوات، ومن الميليشيات المناهضة للإسلاميين من مدينة الزنتان الواقعة على بعد 150 كيلومتراً من طرابلس.

وعلى الجانب الآخر، هناك الميليشا التي تقف أقرب إلى جماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب «أنصار الشريعة»، وهي جماعة إسلامية متشددة تدير مجموعة من الجمعيات الخيرية أيضاً. 
أما الميليشيا القوية من مدينة مصراتة، الأقوى والأكثر نفوذاً في البلد، فقد وقفت في البداية على الحياد، على الرغم من وجود علاقة عمل طويلة لها مع جماعة الإخوان المسلمين. 
ثم دخلت هذه الميليشيا إلى طرابلس في وقت متأخر، ظاهرياً لحماية البرلمان والمؤسسات الحكومية. وفي نهاية الأسبوع التالي بعد بدء حفتر وتحالفه القتال في بنغازي، خرجت تظاهرات شعبية في كل أنحاء البلاد، ودفعت بالعديد من المعلقين إلى تعقب التشابهات بين حالة الجنرال الليبي المتقاعد وزميلة عبدالفتاح السيسي في مصر المجاورة. وفي الحقيقة، يتقاسم المأزق الليبي الكثير من الخصائص مع المأزق المصري.
كما هو الحال في مصر، يزعم أحد الجانبين بأنه يحارب «الإرهاب» ويهدف إلى تهميش المعسكر الإسلامي، إن لم يكن إلغاؤه تماماً. وفي حقيقة الأمر، كان كل من مبارك والقذافي قد عملا على تهميش الإسلام السياسي الجذاب، من أجل تحقيق غاياتهما. وفي ليبيا، جاءت مشاعر عدم الثقة تجاه جماعة الإخوان المسلمين كواحد من عواقب شعبيتها في فترة حكم القذافي، بقدر ما جاء نتيجة لعدم الثقة في الأحزاب التي تشكل جزءاً من إرث القذافي – فجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا بمثابة المنظمة الوحيدة التي استطاعت بناء حزب وطني له بنية هيكلية.

مثلما حدث في مصر، يحتل عضو في الجيش قمة هرم الفصيل المناهض لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، والذي يحظى بدرجة ما من الدعم الشعبي الذي يعكس عدم الرضا عن الكيفية التي ظهرت بها المرحلة الانتقالية حتى الآن. 
وعلى نحو يشبه مصر كثيراً أيضاً، يبدو الرأي العام الليبي مستقطباً بين المعسكر الإسلامي والمعسكر غير الإسلامي، ولو أن الانقسام يبدو مركَّزاً على السلطة وعلى ملكية الثورة أكثر مما يتركز على الأيديولوجيا: ليس هناك معسكر "ليبرالي" أو "علماني" حقيقي في ليبيا، وهي في الحقيقة بلد محافظ اجتماعياً، حيث لا يوجد تشكيك في دور الإسلام في الحياة العامة والتشريعية بشكل حقيقي.

في حقيقة الأمر، تظل قائمة اختلافات ليبيا عن مصر طويلة، لكنه يمكن تلخيصها في نقطتين. كبداية، قاد السيسي قاد حراكا شعبيًا عسكرياً، وهو أمر لا يمكن تصور حدوثه في مكان مثل ليبيا التي تفتقر إلى حكومة عاملة وجيش فعال –بقايا الجيش الليبي التي اصطفت مع حفتر كانت قوات هامشية وسيئة التجهيز في ظل حكم القذافي، والتي لم تتحسن أوضاعها كثيراً بعد ذلك. 
والاختلاف الثاني، هو أن استقطاب ليبيا له القليل من الصلة بالصدامات بين العلمانيين والإسلاميين على النحو الذي تمكن رؤيته في أجزاء أخرى من شمال إفريقيا. بدلاً من ذلك، توجد لمعارضة الإخوان المسلمين في ليبيا جذور أخرى: فقد خسرت جماعة الإخوان الانتخابات البرلمانية في العام 2012، لكنها كسبت السيطرة على المجلس التشريعي بسبب قانون يستثني الأشخاص الذين كانت لهم روابط فضفاضة مع النظام السابق –الذين يبدأون بالصدفة بزعيم الحزب المنافس، وتحالف القوى الوطنية؛ ويؤخذ على نواب الجماعة أنهم قاموا بتغذية مشكلة الميليشيات المتسعة أكثر من كونهم عالجوها، حيث تحصل على الأموال من الحكومة، لكنها لا تضمن الأمن ولا الشروط اللازمة لإنتاج النفط والغاز.

ليست ليبيا نسخة طبق الأصل عن مصر، ولذلك يرجح أنها ستنتج حاصلاً أصيلاً خاصاً بها. ويبدو أن المواجهة الأخيرة فيها ستقود أكثر في اتجاه اندلاع حرب أهلية مع عنف مطوّل بين الجبهتين المتعارضتين بدلاً من أن تقود إلى وقوع انقلاب يسيطر بعده غير الإسلاميين على هياكل الدولة. وفي الوقت الراهن، لا يبدو أن أحداً يملك الجيش ولا التفوق السياسي ليكسب. 

ليس من الواضح ما إذا كان الجيش المصري قد أعطى مباركته لـ«عملية الكرامة» التي شنها حفتر، أو ما إذا كانت الحكومات الغربية قد عارضتها. ومع ذلك، من الواضح أن حفتر، وكذلك مؤيديه، يضعون النموذج المصري في الأذهان: القيام برد فعل مسلح على الفوضى والعنف اللذين صنعتهما جماعة الإخوان المسلمين وأجنحتها السياسية. ومن جانبها، تدرك جماعة الإخوان المسلمين الليبية ما حدث في مصر، وهي ترد برفض حل البرلمان الذي تسيطر عليه، وعن طريق استخدام ميليشياتها، مثل «غرفة العمليات الثورية الليبية» و«كتائب 17 فبراير».

هنا يصبح فارق آخر بين ليبيا ومصر ذا صلة. في ليبيا، وعلى العكس من مصر، يمتلك الغربيون نفوذاً واضحاً على الفرقاء، كما تأتي معظم عوائد قطاع الطاقة الليبي من أوروبا الغربية، وتقوم دول غربية مثل إيطاليا، المملكة المتحدة وفرنسا، بتدريب الجيش والشرطة الليبيين. وتمتلك ليبيا ما يعادل 50 مليار يورو كأصول مجمدة في أوروبا، كما يبقى الاحتفاظ بمدخل إلى القارة العجوز (من حيث السفر وكذلك الممتلكات والأسواق) أمراً حاسماً لأمراء الحرب والساسة الليبيين.

لكنه ينبغي استخدام هذا النفوذ بحكمة وعناية من أجل إنقاذ ليبيا من الانزلاق إلى حرب أهلية تبدو الآن كبيرة الاحتمال. ولن تكفي مجرد دعوة الأطراف إلى «ضبط النفس» كما حدث في البيان المشترك الذي صدر عن الولايات المتحدة، وفرنسا، والمملكة المتحدة وإيطاليا يوم 26 مايو. ينبغي التشديد على الاحتفاظ –بل والتعزيز المستمر- للمؤسسات الديمقراطية. 
وسيعني هذا شيئين: أولاً، لا يمكن تعليق الديمقراطية والبرلمان (كما يريد حفتر). وبدلاً من ذلك، سيكون تبني المزيد من الشمولية هو المفتاح لاستعادة القانون والنظام في البلد؛ ثانياً، لا تستطيع جماعة الإخوان المسلمين التشبث بالسلطة، وتأخير الانتخابات البرلمانية التي تشكل مكوناً حاسماً في عملية استعادة الشرعية لمؤسسات ليبيا الديمقراطية الرئيسية. وبإبقاء هذين العنصرين ماثلين في الذهن، ينبغي على الأميركيين والأوروبيين أن يجلبوا كافة وسطاء القوة الرئيسيين معاً إلى مائدة التفاوض، وأن يستخدموا كل نفوذهم، ويبينوا أن اقتصاداً سلمياً عائداً إلى مساره سيكون أكثر ملاءمة بكثير من اقتصاد حرب، حيث سيخسر قادة الميليشيات والقادة السياسيون فقط من قيام حرب أهلية. أما إذا كان هذا ما يزال ممكناً أم لا، فهو أمر بعيد عن اليقين، لكن لدى صناع القرار الغربيين التزام بمحاولته، وبكل الجهد اللازم.